الثلاثاء، 15 كانون الثاني، 2013
عندما يتخرج ابن إحدى الأسر الفلسطينية
طبيباً، يفرح له الجميع ويهنئونه. لكنه في السرّ، وبعيداً عن أعين الناس
يأخذ مصروفه من أهله، أو من أخيه العامل، كي يشتري احتياجاته الخاصة، لأن
العامل يستطيع أن ينتج ماديا أكثر مما يستطيعه الطبيب الفلسطيني، ذلك وفق
الدكتور عامر السماك، طبيب العظام، ومدير «مستشفى النداء الإنساني» في مخيم
عين الحلوة. يضيف: «الطبيب الفلسطيني لا يستطيع أن يفتح عيادة، أو يعمل في
أي مستشفى خارج المخيم، لأنه محروم من ممارسة مهنته، فهو لا يدخل شبكة
العمل الطبي ضمن شروط قوانين وزارة الصحة، وضمن القوانين اللبنانية التي
لها طابع سياسي في لبنان. ويُعتبر في القانون اللبناني منتحلاً لصفة
الطبيب، لأنه لا يحق له الانتساب إلى نقابة الأطباء». وفي هذا السياق فإنه
«إن عمل سرّاً في إحدى المستشفيات قد يتعرض لإشكالات قانونية تتعلق بمعالجة
المرضى، كحدوث خلل في العمل الجراحي، أو وفاة مريض، لأنه لا يتحصن بحماية
نقابية، كما أنه يُتهم بانتحال صفة طبيب».
لتلك الأسباب، لا يستطيع الطبيب الفلسطيني أن
يمارس مهنته إلا داخل المخيمات الفلسطينية، أو في عيادات «الأونروا»، ما
يعرضه لفقدان فرصته في التطور الطبي الفني التقني، الذي وصلت إليه
المستشفيات الخاصة في لبنان. وذلك بسبب وجود فجوة بين عمل المؤسسات
الفلسطينية داخل المخيم وبين العمل خارجه. وكذلك هناك صعوبات في العمل داخل
المخيم، وتلك الصعوبات مرتبطة بحالة العوز والفقر، بمعنى أن المريض لا
يستطيع دفع كلفة الخدمات الطبية، حتى الجهات الفلسطينية المعنية بمتابعة
أمور الفلسطينيين، كـ«منظمة التحرير»، أو التنظيمات، ما زالت تنظر إلى
الجانب الطبي نظرة ثانوية.
وعلى الصعيد النقابي، هناك «اتحاد الأطباء
الفلسطينيين». وللاتحاد طابع سياسي ضيق، وليس كأي نقابة، من مهامها أن ترعى
شؤون الطبيب من جميع الجوانب المالية والإدارية والتقاعد، وتحافظ على سير
التطور الطبي من خلال عضويته بجمعيات طبية، كجمعيات العظام، والقلب، حيث
يتم تبادل الخبرات. الدكتورة إنصاف بلعوس، طبيبة صحة عامة وطوارئ، تقول:
«الطبيب الفلسطيني حقه مهضوم، لأنه ممنوع من العمل على الأراضي اللبنانية،
إلا في المخيمات، كذلك ممنوع من الانتساب إلى نقابة الأطباء، ومن المهم
معرفة أن الطبيب الذي يود الانتساب للنقابة يجب أن يخضع لامتحان
الكولوكيوم، حتى لو نجح الطبيب الفلسطينـي لا يحق له الانتساب إلى
النقابة».
ويلفت الدكتور وليد ياسين، عضو الهيئة
الإدارية في «الاتحاد العام للأطباء والصيادلة الفلسطينيين»، إلى أن
«الدولة اللبنانية لا تسمح لنا بالانتساب إلى نقابة الأطباء، حتى لو خضعنا
لامتحان الكولوكيوم ونجحنا فيه، مع العلم أن هناك أطباء غير لبنانيين يحق
لهم الحصول على إجازة عمل والانتساب إلى نقابة الأطباء اللبنانيين، ونحن
نتعرض لاضطهادين: داخلي وخارجي». ويرى أن «الاضطهاد الداخلي من أهل البيت،
من منظمة التحرير نفسها، فنحن الأطباء الفلسطينيون لسنا عاجزين عن خدمة
شعبنا من الناحية الطبية، والصحية، فلماذا اللامبالاة بنا؟ وحتى قيادة
التنظيمات، والهلال الأحمر الفلسطيني تنظر إلى الطبيب، وكأنه جندي أو
مقاتل، ساعة يشاؤون التخلي عنه يقولون له: مع السلامة. وبالتالي تحرمنا
مؤسساتنا من مواكبة التطور الزمني». ويشير إلى أن «الاتحاد العام للأطباء
الفلسطينيين ظلّ معطلاً منذ العام 1982 حتى أواخر التسعينيات، ومشكلته أنه
يجب أن يُشكل الاتحاد بناءً على قرار من منظمة التحرير الفلسطينية». ويشير
ياسين إلى أن الاتحاد «سيعمل على طرح الواقع الصحي الفلسطيني ومشاكله،
ومعاناته، وسنحاول العمل على عقد مؤتمرات ولقاءات طبية، وإنشاء علاقات مع
الاتحادات الطبية الفلسطينية في أوروبا وداخل فلسطين، كما نفكر بكيفية
تطوير مستشفى الهمشري، وزيادة الأقسام لاستقطاب المرضى».
الدكتور رياض أبو العينين، طبيب أنف، أذن،
حنجرة، ومدير «مستشفى الهمشري»، يشير إلى أن «المستشفى أحد مستشفيات جمعية
الهلال الأحمر الفلسطني، وله خمسة مستشفيات في كل لبنان، ويعتبر الهمشري
المستشفى المركزي، أو الأساسي، وهو مجهز بكل التجهيزات اللازمة لكل قسم من
أقسامها، من جراحية وباطنية وأطفال ونساء وتوليد، وعمليات، وقسم غسيل
الكلى، وهو متوفر فقط في المستشفى الموجود في صيدا، وكذلك يوجد قسم للعلاج
الفيزيائي، ومدرسة تمريض». ويرى أن المستشفى منذ استلم إدارته «وأنا أعمل
على تطوير الأقسام الأساسية، ومحاولة منافسة المستشفيات الخاصة، ولا نريد
القول دائماً: إننا في مستشفى هلال أحمر فلسطيني، ولا نستطيع منافسة
المستشفيات الخاصة، لذلك قمنا بتطوير معظم الأقسام بما يناسب الجودة
والنوعية للعامين 2011 و2012، بالإضافة إلى المكننة، ومواكبة التطور، لكن
يبقى وضع الطبيب الفلسطيني الذي إن أجرينا مقارنة بينه وبين الطبيب
اللبناني نجده يعيش تحت خط الفقر، إذ إن معدل راتبه ما بين 600 دولار و800
دولار، ونتيجة للغلاء والوضع المعيشي المزري، فالطبيب الفلسطيني لا يستطيع
حتى تعليم ومعالجة ابنه، حتى أدنى الحقوق المدنية للبشر محروم منها». ووجه
أبو العينين «رسالة إلى الأخوة اللبنانيين بالتفكير لإيجاد حلّ للطبيب
الفلسطيني، ونحن على جهوزية في التحاور سوياً، كما أناشد منظمة التحرير
الفلسطيـــنية وممثلية الســـفارة أن تجد حلاً باتخاذ قرار سياسي للسماح
للفلســطيني بالعمل في لبنان بشروط معينة».
أما الدكتور عماد الحلاق، المتخصص بأمراض
النساء والولادة، ورئيس الاتحاد العام للأطباء والصيادلة الفلسطينيين في
لبنان، يقول: «الاتحاد في عالم النقابات له أهداف: تطوير الطبيب والدفاع عن
حقوقه، لكن في لبنان فإن عمل الاتحاد يقتصر على المحاولة في إيجاد حل
للطبيب الفلسطيني بإمكانية إعطائه حق العمل، ونحن كذلك لا نستطيع حماية
الطبيب الفلسطيني إلا بوجود منظمة التحرير الفلسطينية». يضيف «نعمل على
تحسين وضع الطبيب الفلسطيني، فمنذ انطلاقة الثورة الفلسطينية، كان الطبيب
مقاوماً، وما زال إلى الآن مقاوماً على الرغم من استثنائه في العمل من قبل
الدولة اللبنانية، بالإضافة إلى أنه في منظمة التحرير ليس له حقوق، فراتبه
زهيد، ولا يملك ضماناً صحياً، ولا قانوناً للتقاعد». ولتحسين وضع الأطباء
الفلسطينيين «يجب التوجه إلى منظمة التــحرير الفلسطينية، لأن الاتحـــاد
مؤسسة من مؤسساتها، وكما أنها مسـؤولة عن الأمن الوطني كذلك هي مسؤولة عن
الأطباء».